الثلاثاء، 26 أبريل 2011

الدولة المدنية كما يراها العلامة الغزالى .. بقلم : حسين رضا

بقلم: حسين رضا
الشيخ العلاَّمة محمد الغزالي، رحمه الله، أحد عظماء التاريخ الإسلامي جهادًا وعلمًا ودعوةً وتمسكًا بالإسلام وقيمه، وأحد أهم الدعاة إلى الوسطية، له العديد من المؤلفات التي تضعك على معالم الدين الإسلامي وتوضح تعاليمه وشئونه.

في بحثنا هذا نقف على أمر اختلفت حوله الرؤى، وتضاربت الأقوال، وهو- ببراعته الدعوة وأسلوبه الرائع العذب الرقراق، وبعمق فهمه الأزهري الوسطي، وانتسابه الدعوى إلى جماعة تبنت الوسطية فكرًا ومنهجًا هي دعوة الإخوان- كانت له كتابات متفرقة حول الدولة المدنية والحكومة الدينية في الدولة الإسلامية، يقول رحمه الله: "إن قارب النجاة الوحيد وسط الطوفان من البلايا التي تهبُّ على العالم الإسلامي من يمين ويسار؛ هو الإسلام، ولذلك فإن كل ثقب يحاول البعض إحداثه هو مؤامرةٌ لاقتراف جريمة قتل، لا قتل فرد أو أفراد، بل قتل عالم بأسره، ومؤامرة على جعل الظلام يحتوي مستقبل الدنيا"، ويقول رحمه الله: "تأكد لنا أن الإسلام هو صمام أمان البشرية وسياج حياتها".. انتهى كلامه رحمه الله.

ولم لا يكون الإسلام صمام الأمان وسفينة النجاة ورب الناس سبحانه يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)) (الأنبياء)؛ لذا فإن كل رأي في الإسلام بغير علم، وكل صيحة مغرضة تريد أن تنال من قيمة الإسلام ما هي إلا مؤامرة على مستقبل الأمة وسعادة البشرية كلها، وأعلى الصيحات الآن تلك التي علَت بعد الثورة المصرية لتبثَّ الفزَعَ في قلوب الناس من الإسلام وتخوِّفَهم، وصار جهلة لا يعلمون عن الإسلام وفرائضه سوى الأسماء- إن أحسنوا نطقها- يذيعون عن دولة الإسلام الأكاذيب والافتراءات، وكأن الإسلام ما أنزله الله إلا لقطع الأيدي ورجم الناس وقتلهم وجلدهم، ولو كان هؤلاء يفقهون عن الإسلام لعلموا أن معجزة الإسلام (القرآن) به حوالي 6300 آية، وأن الحدود التي يخوِّفون الناس منها ليل نهار لم تبلغ عشر آيات أو يزيد قليلاً، فأين باقي الإسلام إذن؟!

لو كان هؤلاء يفقهون لعلموا أن الإسلام علم وتقدُّم وغنى وثراء وعدالة وحرية وأخلاق ومساواة وكفالة وبر ورحمة ومودة وتآلف.. ولقد رأيت مع تلك الصيحات التي علت أن أستجلب لها كلمات القوي الحجة، القوي البرهان، العلاَّمة الغزالي، أختار من كلماته رحمه الله متصرفًا فيها بشكل يسير؛ حتى لا تفقد رونقها وجمالها وقوتها في الإقناع وفي نهاية الكلام أعرض ما رجعت إليه من كتاباته رحمه الله في فهرس المراجع؛ ليكون الكلام متصلاً لا يملّه القارئ ولا ينشغل بغيره.

يقول رحمه الله" "إن الحكومة في الإسلام ليست معنيةً برفع مستوى المعيشة، وتوفير السلع والخدمات والمرفقات؛ لتكون الحياة رطبةً حسنةً فحسب، وإنما يمتدُّ واجبها إلى أن ترقى بالإنسان روحًا وجسدًا، وتضمن له مستقبل الدنيا وسعادة الآخرة، ولا تجد ذلك إلا في الإسلام، وهذا شرف لم تنلْه سوى حكومات الدولة الإسلامية بمعناها الصحيح.

إن مفهوم الدولة في الإسلام غير الدولة الدينية غير الحكومة الدينية أيضًا؛ فالحكومة الدينية من اسمها مخيفة للنفوس مزعجة؛ لأنها توحي بحكم متعصِّب لا يهتمُّ إلا بنفسه ولا يرى غير عقله، وهذه الحكومة المفزعة التي لم يعرفها الإسلام قط وإنما عرفتها أوربا لمَّا أرادت الكنيسة أن تجعل من نفسها المشرِّع والمعاقب والمحاكم والمحاسب والقاضي والسجَّان والرئيس والملك؛ أمرها ما أمر الله به، وينفَّذ مهما كان صعبًا شاقًّا، ونهيها نهي الإله يُنفَّذ وإن كان في مصلحة البلاد والعباد، وهذا لا يعرفه الإسلام ولا يقره، فهي بجهلها هذا قد حكمت على العقل بالسجن المؤبَّد، ونفَّذت الحكم ورفضت الاستئناف أو النقض، وضمَّت إلى العقل التسامح والرحمة حتى امتلأت النفوس عليها حقدًا ومنها غيظًا ولها كرهًا وبغضًا؛ فتفجَّرت الثورات الأوروبية لتعيد ما غاب من واقعها، وتستخرج ما دفن من علمها في بطن أرض الظلم والجهل الذي مارسته الكنيسة الأوروبية وقتئذٍ، وهذا ما ظن دعاة اللا إسلامية، اليوم، إلى دعواهم دون أن يعلموا أن الإسلام ينكر ذلك، ولو أرادوا الخير لبحثوا وتعلموا، وإنما هو الغرور بالظهور بالشاشات والصفحات، ولا يدري ذلك المسكين أنه بذلك يحارب الإسلام من حيث لا يشعر، وأن الإسلام الذي يخوِّف الناس منه بريء من كلماته تلك، وهو أرقى وأعظم مما يقول.

إن حقيقة الدولة في الإسلام أنها دولة مدنية تدير شئون العباد والبلاد بما لا يخالف شرع الله فحسب، وببساطة هي ترفض ما يرفضه الشرع، ولا تتحدث إلا بالكلمة الطيبة، ولا تدعو إلا بالموعظة الحسنة، فأي خوف من الإسلام إذن؟!

هل هناك بديل أحسن أو مماثل؟!
إنه لما هَوَت دولة الإسلام لتآمر الحاقدين عليها وضعف أبنائها، وتقدمت نحو الصدارة أمم أخرى؛ لم تستطع أن تملأ الفراغ الذي نتج من غياب دولة الإسلام، ولا يُنكر أحد أن تلك الأمم وفَّرت البهرج والزينة، ولكنها فشلت فشلاً ذريعًا؛ لأنها وفَّرت الدنيا وزينتها ومتعها لقوم دون قوم، والشيء الوحيد الذي كانت فيه عادلةً ولم تظلم قومًا ولا فريقًا أنها أتعست البشرية كلها، فإن ضمنت الدنيا لم تضمن الآخرة، وللأسف هي أيضًا لم تضمن الدنيا، ودلالة ذلك أن طبول الحرب لم يتوقف دقُّها ولم ينقطع من المدافع في أرجاء الأرض صوتها، ولم يتوقف غزوُ البلاد ودكُّها، ولم يتوقف قتل الأبرياء بمختلف الأعمار، إنها صارت بالبشرية إلى واقع مؤسف مرير، وأخذت تضع قوانين وضعيةً تتحايل فيها على ما جاء به الإسلام من ضمان الحياة وسلامة البشرية، دون أن ترجع ذلك إلى الإسلام، والجهال من أبناء الدين يصفِّقون لهم ويشدون؛ لأنهم لا يعلمون أن الإسلام فيه ما جاءوا به وما لم يستطيعوا أن يأتوا به، ففتِّش في التاريخ كما شئت، وخذ منه ما شئت، ودع ما شئت، وفي النهاية قل لي هل هناك بديل خير من دولة الإسلام وحكمها في ضوء الفهم الصحيح للإسلام.

المساواة في الحقوق الإنسانية
الدولة في الإسلام دولة مدنية، أول مبادئها المساواة في الحقوق الإنسانية، ونداءات القرآن وأحاديث نبي الإسلام كلها تقول إن الحقوق الإنسانية معنى مشترك بين كل البشر، لا يحرم منه أتباع أي دين، ولا أي لون ولا جنس، فالكل في النهاية في ميزان الإسلام إنسان، وكلهم بنو آدم، ولبني آدم في الإسلام حق التكريم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)) (الإسراء) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)) (البقرة) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)) (الحجرات) (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)) (الأنبياء) والنبي يقول: "أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي ولا لأحمر على أبيض ولا أبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى.. إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم..".

والإسلام لا يميِّز إنسانًا ويضطهد إنسانًا للونه ولا لماله ولا لمستواه ولا لأملاكه، لقد جاء الإسلام والجزيرة العربية تنضح بالتمييز بين الناس، فأنكر عليهم ذلك، أوَلَمْ تر دعوات المشركين باستئصال شأفة الإسلام لأنه يساوي بين الناس؛ فلا يميز بين السيد والخادم والمالك والمملوك ولا الغني والفقير ولا القوي والضعيف (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) (الزخرف) وقولهم للنبي: "أولم يجدْ ربك أغنى منك وأيسر حالاً يرسله إلينا"، وقولهم: "إننا نسلم لك بشرط أن تطرد الفقراء والعبيد من دينك"، هذا قولهم والرسول يردُّ بأيسر العبارات في حقوق المملوك والعبد والخادم، قائلاً: "هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليكسه مما يكتسي ولا يكلفه ما يغلبه.."، إن هؤلاء كانوا يريدون أن يؤمنوا بالإسلام الذي على هواهم، وليس ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فكان ردُّ الله عليهم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: من الآية 10) (وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الأنعام: من الآية 52).

لقد قطع الإسلام طريق التفريق والتمييز عليهم، وقال كلمته بأن المبادئ لا يساوَم عليها، ولا يضحَّى بها، حتى وإن كان في صالح الإسلام مؤقتًا، ومن أراد أن يدخل الإسلام كما أراد الله فأهلاً به، أما من أراده وفق هواه وشيطانه فلا حاجة للإسلام إليه، وهو عنه غنيٌّ كريمٌ، لقد صنع الإسلام البشرية، وصبَّ أوضاعها في قالب سماوي، طهَّر النفوس، وطرد الخرافات، ورفض الهوان، وعلَّمه الكرامة والعزة، والتآلف والمحبة، حتى انتصر الإسلام في كل معاركه التي وقعت بينه وبين كارهيه ومحاربيه بالقيم والمبادئ، قبل ضربة السيف وطعنة الرمح، إن ضربت أو طعنت.

الحرية الدينية في الإسلام
الدولة في الإسلام دولة مدنية تفيض بالحرية الدينية، لكن مَن يعيش فيها سواء على الإسلام أو على أي دين غيره، لقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام على الناس يوم أُمر بذلك، وعرض مبادئه وتعاليمه وعرَّف الناس أن الإيمان الحق وليد يقظة عقلية وقناعات قلبية، فيستبين العقل الحق، ويؤمن القلب به، وكان من أول مبادئه (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة: من الآية 256) (لَكُمْ دِيْنُكُمْ وَلِيَ دِيْنٌ) (الكافرون: 6) (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: من الآية 29) (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: من الآية 99)، وأقر الإسلام الحرية الدينية بأبهى صورها وأرحب معانيها، ولم تتعدَّ وظيفة النبي معهم الهادي البشير والداعية الحكيم؛ فهو يشرح ويبيِّن ويجسِّد الإسلام في شخصه صلى الله عليه وسلم، وكان خطاب القرآن له كل حين وآخر يذكِّره بتلك الوظيفة وهذه المهمة، وأنه لا يجوز له أن يُكره أحدًا على الدين: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)) (ق) (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)) (الغاشية) (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ..) (الشورى: من الآية 15) (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (النحل: من الآية 125) (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)) (التوبة).

وبعد هذه الآيات يدرك المنصف الحق أن الإسلام قد أباح الحرية الدينية على شكل لم يرد على عقل إنسان، فما أمر دين يومًا أن يكون الحوار فقط والدعوة بالحكمة هما الأساس والأصل، والإسلام لم يفرض يومًا على نصراني أن يترك نصرانيته، ولا على يهودي أن يترك يهوديته، ولم يفرض على أتباع أي دين أن يتخلَّوا عن دينه ليدين بالإسلام، حتى وإن تولَّى الناس عن نبيِّه كان الأمر العجيب في سورة التوبة بعدما عرضت أشكالاً مهينةً من خداع المشركين وألاعيبهم وخصوماتهم الدنيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ) ثم أكمل مسيرتك عاملاً مجاهدًا داعية بالحسنى متوكلاً على الذي بعثك.

أي دين أروع من هذا؟ أي دين؟ وأي دولة ترتضي لغير من يدينون بدينها مثل هذا التكريم غير دولة الإسلام؟ إن المنصفين من أصحاب الديانات الأخرى ليشهدون أن أزهى عصورهم حريةً وسعادةً وطمأنينةً وسكينةً تلك التي عاشوها تحت حكم الإسلام، واقرأ في التاريخ تعلم ولا ينبئك مثل التاريخ.

روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دنا أجله أوصى قائلاً: "أوصي الخليفة بعدي بأهل الذمة خيرًا".

قولوا لنا يا سادة، أي رئيس أو ملك أو أمير أوصى قبل موته بأتباع الأديان الأخرى خيرًا، غير خليفة المسلمين. إن كل إنسان تحضره الوفاة يركِّز في وصيته بِمَن هو أقرب لفكره واهتمامه وخوفه عليهم، فما رأيك فيما أوصى به عمر؟! إنني لما قرأت الوصية تلك لم أجد سوى الصمت المتعجب تعليقًا.

إن الحرية الدينية التي كفلها الإسلام لم يشهد التاريخ لها نظيرًا، ولم يحدث أن انفرد دين بحكم الأرض، ثم نشر خيره وأمانه على مخالفيه، وأعطاهم حق حرية الاعتقاد وكل أسباب البقاء والازدهار مثلما فعل الإسلام.

إن الإسلام حيث يسود يمنح أتباعه وغيرهم مطلق الحرية وجميع الحقوق، في حين إذا ساد مخالفوه نكَّلوا بنا، وأذاقونا سوء العذاب، وسقونا من كئوس المهانة ألوانًا، ولو عادت لنا الكرَّة عليهم كنَّا معهم وكأنهم لم يفعلوا بنا شيئًا، ونقول لهم بقلب منشرح وصدر رحب "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

حرية التفكير وإعمال العقل
الدولة في الإسلام دولة مدنية، تبيح للعقل مطلق الحرية في التفكير والإبداع، وما تقف في وجهه إلا حين تعلم أنه يسعى فيما لا يُجدي ولا يعود عليه بخير هو وغيره من بني البشر. إن الله قد خلق العقل وجعل مهمته أن يفكر، كما أن وظيفة العين أن تبصر، والأذن أن تسمع، فلا يليق بإنسان أن يغمض عينيه ويمشي الطرقات يتحسس؛ فهو إما مجنون أو مجنون، لأن ما يفعله لا يقره دين ولا يقبله عقل.

إن الإسلام جعل الإيمان الحق والتصديق به ثمرة إعمال العقل والتفكر، والتماس أسباب الهداية، كما أن الكفر والإلحاد نتيجة توقف العقل واستخدامه في غير ما خُلق له وقطع التفكر به في دروب الحق.. (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)) (الحج) (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)) (العنكبوت)، ولقد عاب القرآن على قوم عطَّلوا جوارحهم وأفئدتهم عن وظائفها (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف: 179)، (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)) (يوسف).

والإسلام لا يلوم على حرية الفكر، وإنما يلوم على الغفلة والذهول، بل إن المصابين بكسل التفكير واسترخاء العقل في الإسلام عصاةٌ مقصِّرون؛ لأنهم لم يشكروا نعمة الله عليهم، إن ما يستهدفه الإسلام من وراء الحرية الفكرية هو الوصول إلى النهاية الصحيحة، وما يتطلب الإسلام من العقول العاملة المفكرة سوى أن يقدر بعضها بعضها ويكرم بعضها بعضًا ولا يحتكر أحد الصواب لنفسه ويحرمه على غيره، فالحق والصواب ليس ملك عقل بعينه ولا مفكر بشخصه، فللحق طريق مستقيم توصِّل إليه مداخل شتى تتلاقى فيها العقول المفكرة، إن الحرية الفكرية في الإسلام فاقت حدود العقل، ففي فريضة الصلاة اختلفت الأقوال والآراء من التكبير إلى التسليم لأكثر من سبعين حكمًا وقولاً، كلُّ ذلك في إطار الحق والحب والود وحسن الاختلاف.

أما قيود الإسلام على الفكر فقد رفض الإسلام للفكر أن يُتعب نفسه فيما وراء الغيب ويزجَّ به في عالم ما وراء المادة؛ ليبتكر أحكامًا وينشئ تصورات كل هذا، لا لشيء إلا لأنه يكلِّف العقل فوق طاقته ويقحمه فيما لا يعود من ورائه بمصلحة على الأمة والدنيا والنفس.

لقد فتح الإسلام آفاق التفكير حتى أبهر علماء عصر الخلافة الدنيا بعلمهم، في الوقت الذي كانت أوروبا توصد فيه أبواب النظر أمام العقول المفكرة وترميهم بالإرهاب والمقت ولم يثبت على دولة الإسلام يومًا إبادة الكتب ومحاربة العلم وإنزال العقوبات على المفكرين من أجل أفكارهم وإن بدت معادية.

نهاية الكلام أن الإسلام يضمن الحرية بكل أنواعها وألوانها، سواء كانت دينيةً أو فكريةً أو مدنيةً أو سياسية أو..".
---------
المراجع:
1- حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة.
2- محاضرات الشيخ الغزالي في إصلاح الفرد والمجتمع.
3- الإسلام والاستبداد السياسي.
4- علل وأدوية.
5- مشكلات في طريق الحياة الإسلامية.

الخميس، 20 يناير 2011

من أى الخرافتين حكام العرب ... بقلم : حسين رضا


                                          
خرافتان تنتشران بين الشعوب العربية يتبنى كل واحدة منهما فريق عريض يؤمن بها ويروج لها وفريق ثالث يرفضهما ولكنه قليل .
الأولى أن الحاكم لا يعرف ولا يعلم شيئا عن أحوال وطنه : يشيع أصحاب تلك الخرافة والأكذوبة أن الرئيس شخص طيب النفس ، حنون القلب ، يعشق تراب وطنه ، يتألم لآم شعبه ، ويفرح لفرحه ، يسكب العبرات على أحوالهم إن خلص إليهم مكروه ، ولا تسعه الدنيا من الفرحة إذا أصاب أحدهم الخير والبشر والسعادة ، ولكنه للأسف يعيش معزول عن شعبه ، لا يعلم أحواله ولا ما يصيبه من فقر ومرض ، وما ينخر فى أصلابهم من فساد ، وما يصب على رؤوسهم من العذاب والهوان من حكومته ، فهو مخدوع يخدعه من حوله من وزرائه ورجال حكومته ، فهو لا يعرف سوى التقارير الأمنية التى ترفع إليه وتصور له أن الشعب يحيا فى قمة الانتعاش والرفاهية ، ولا يحتاج من الدنيا إلا شىء واحد أن يديم الله نعمة رئاسته وحكمه على شعبه ، فهو خير حاكم ، وأرحم رئيس ، وأنه هو الأب والأم والابن والصديق والأخ لكل واحد من أبناء شعبه ، يتغنون بإنجازاته ويهتفون باسمه فى النوم واليقظة ، ويسبحون بحمده فى الليل والنهار .
تلك الخرافة فى أغلب الأحيان تشيعها الأنظمة الديكتاتورية عن نفسها ويتشدق بها المنتفعون من أذيال تلك الأنظمة ، ويلجأ إليها عند سقوطهم أو وقت محاكمتهم على جرائمهم حين ينتفض الناس ، كما نطق بن على ديكتاتور تونس من أيام فى خطابه المنكسر الذليل ( الآن فهمتكم .. أخيرا فهمتكم ) يريد الحاكم أن يقنع الدنيا أنه ليس له يد فيما جرى وحدث ، وأنه وقع وسط عصابة من الأشرار غيبته عن واقع شعبه ، وأنه حبيس جدران أربع محاطة بالكذب والخداع ، وليس له نافذة على دنيا الناس سوى التقارير الأمنية السرية ، وادعاءات رجاله .
وتلك الأكذوبة وهذه الخرافة لا تقبع إلا فى عقول السذج ، فلو كان الحاكم الرحيم الحنون الطيب الذى يعشق وطنه وأبناء وطنه كما يذيعون ، لاختار من بين الناس من يرضى الشعب عنهم ، ويرتاح هو لهم ، ولعرض كل كبيرة وصغيرة على شعبه ما دام يحبهم ، ودليل أخر على الكذب أنك ترى الحكومة تتشكل على فترات وتتغير ربما بعضها أو كلها ، ولو كانوا هم المسيطرون عليه ما تغيرت الحكومة ولرفضوا ترك مناصبهم وما جرأ على عزل واحد منهم ، ولو سلمنا ودخلنا نفق السذج وقلنا بذلك فلن يعفيه ذلك من المثول أمام الله يوم القيامة يحاسبه على كل كبيرة وصغيرة وصدق ربنا (إذ يقول) ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُون ) ، وصدق نبيه( إذ قال ) ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع (
الخرافة الثانية الحاكم الذى لا يرحم أو ( أنا عبدٌُ مأمور ) وتلك الأكذوبة يلجأ إليها أذيال الأنظمة الديكتاتورية ولكن ليس للدفاع عن الحاكم وإنما للدفاع عن أنفسهم حتى لا يكرههم الناس ، تجلس إلى أحدهم تقول ياسيدى ما أنت عليه خطأ وخيانة للقسم الوطنى الذى أقسمته يقول لك والله أنا ( عبدٌ مأمور ) ونفسى أغير لكننى لا أقدر ولا أستطيع فالحاكم ظالم طاغية ديكتاتور من يخالفه لن يبقى على وجه الأرض يوما ، ولو كان صادقا لما تفنن فى قتل الأبرياء من أبناء الوطن وتعذيبهم ، وتزوير إرادات الشعوب ، واللعب بكلمتهم ، وما اجتهد فوق ما وسعه فى إفساد الأجيال وإهدار القيم والأخلاق ، وذبح الديمقراطية واغتيال الحرية ولكنه الخداع .
إن الخرافة الأولى قد تصدقها العقول أكثر من الثانية وغالبا ما يلجأ إلى تلك الأكذوبة أذيال الأنظمة عند محامكتهم حتى يبرئوا أنفسهم ، وقد كان ذلك من أتباع هتلر حين جاءت محاكمتهم قالوا ما كنا نستطيع أن نعصى له أمرا أو نرد له كلمة ، فدورنا التنفيذ ، وإنهم لكاذبون فلولاهم ما كان هو .
فمحال أن يحكم رجل كل الدنيا كبيرها وصغيرها ، قويها وضعيفها ، ولا يستطيع أن يقف فى وجهه أحد .
والحقيقة أن الأنظمة الحاكمة بداية من الرئيس ورجال حكومته ومسئولو دولنه كلهم نسيج واحد متكامل يعمل إما للإصلاح أو الفساد ، أو تقدم الشعوب وتأخرها .
ولعمرى إن انتشار مثل هذه الخرافات ليس لأننا شعوب طيبة كما ندعى ، وإنما لأننا شعوب جهلة سذج ، تركنا الكتاب وأبينا التعلم ، وسلمنا عقولنا لثقافة إعلام الأنظمة الحاكمة ففسدت ، وما ازدادت على جهلها إلا جلها ، وارتضت من الانكسار والذل منهجا ، فلن يفيق جاهل كى يدافع عن نفسه أو يطالب بحقه .. وليت شعوبنا العربية تعود إلى الكتاب فتقرأ .

السبت، 15 يناير 2011

بسم الله .. الإجابة تونس ،، بقلم : حسين رضا



تعلمنا منذ الصغر حين يعرض علينا سؤال ولا نعرف إجابته أو يصعب علينا ويستحيل أن نقول ،، بسم الله الرحمن الرحيم .. الإجابة تونس ونعنى بذلك أن السؤال لا نعرف إجابته .
كنا نقول تلك الكلمة ولا ندرى أن القدر سيجعل منها حقيقة لا مراء فيها ، نعم لقد صارت تونس اليوم هى الإجابة على الأسئلة الصعبة بل المستحيلة التى عجزنا عن حلها ، فإذا ما سألت أحدا اليوم ما الحل فى الفساد والسرقة يقول وهو يتحدث جديا لا هزليا : بسم الله .. الإجابة تونس ، وإذا سألت أحدا ما الحل للظلم والتعذيب وكبت الحريات وتقييدها قال لك بسم الله .. الإجابة تونس .
لقد صارت تونس ياسادة هى الإجابة الوحيدة على كل الأسئلة المستحيلة فى نظام الحكم والسياسة والإصلاح والتغيير فى أى مكان تكبت فيه الحريات ، وتحارب فيه الديمقراطية ، وتسحق فيه المعارضة الشريفة التى ترغب فى إصلاح البلد .
مما جرى فى تونس لنا حقائق ثلاثة أثبتتها التجربة التونسية ونتمنى أن نتيقن منها
أولا : أن ضريبة الإصلاح والتغيير أيسر بكثير من ضريبة الفساد والديكتاتورية والجهل والمرض نعم انظر معى كم عدد من مات فى تلك الصحوة التونسية الرائعة ، إن عدد من مات أو أصيب أو اعتقل لا يساوى عدد الموتى فى حوادث السيارات على الطرق أو ضحايا المنازل التى تسقط على رؤوس قاطنيها ، أو ضحايا عبارة تغرق ، أو صخرة تسقط نعم إن ضريبة الفساد أعلى بكثير من ضريبة التغيير لو عقل الراغبون فى الإصلاح
ثانيا : خرافة مرفوضة تلك التى تقول أن الحاكم لا يعرف شيئا عن واقع الناس لأن من حوله يخدعونه تلك أكذوبة يشيعها الحكام أو من حولهم حين يرون أن عرش الحاكم فى قلق ، وتلك الخرافة أراد بن على فى خطابه المنكسر من يومين أن يقنع بها شعب تونس ، ولكن هيهات فإن الشعب قد انتفض ، وتلك التى استند إليها شاه إيران حين ثار عليه الشعب ، وهذا لا أساس له من الصحة فالكل يعلم حال بلده وحتى إن يكن يعلم فلن يعافى من حساب الله يوم القيامة 
ثالثا: هل يتعظ إخوة بن على من الحكام والمسئولون والقائمين على الأمر
ويتصالحوا مع شعوبهم وينزلوا على مطالبهم ويرعوا مصالحهم قبل أن يفلت من أيديهم زمام البلاد فيجدوا أنفسهم يطيرون فى الجو ولا مأوى لهم .
دون إطاله فى الكلام وإسهاب فى العبارات الحدث أروع من أى كلام والصحوة أرقى من أى عبارات ، ولكنى أقول لكل الدنيا
بسم الله الرحمن الرحيم .. الإجابة تونس

السبت، 8 يناير 2011

هل يتفوق الشباب على أساتذته ومفكريه ... بقلم : حسين رضا


                                                

إنها دعوة صريحة ، وهمسة صادقة أخاطب بها أقرانى الشباب ، أدعوهم فيها إلى الجد والعمل ، والعودة إلى العلم والكتاب فلا سبيل إلى النجاح بدون ذلك ، ولن يكون هناك سبيل للنجاح والرقى والتقدم يوما من الأيام بدون كتاب نعتكف على قراءته ، وننهل منه ما نبنى به مستقبلنا ،
ياشباب مهما اشتدت الأزمات ، وقست الدنيا علينا ، وغطت السحب وجه المستقبل حتى طمست معالمه أمام أعيننا ، بقينا نحن الأمل القادم ، والنصر المنتظر ، والمجد الذى تهفوا إليه نفوسنا وقلوبنا .
ياشباب إن أمتنا وعروبتنا فى أمس الحاجة لعطاء منا يرفعها ، عطاء من عقولنا وهمتنا وطموحنا ، فهيا نطلق صافرة البدء معلنين الجد .
إننا فى حاجة ملحة إلى عقل مبدع مفكر يقهر الظروف وينتصر على العوائق.
إن ساحة الفكر والإبداع بها فقر شديد لا يكفيها ثلة قليلة من المفكرين والمبدعين فى عصرنا ، فلم نتركها خربة ونصرف الأنظار عنها ؟
ياشباب إن الأمة اليوم فى احتياج لألاف القرضاوى حتى تبقى فيها أصالة الإيمان ومعاصرة الفكر ، وفى عوز شديد لألاف العقول مثل العوا ومحمد عمارة ومن على شاكلتهم من مثقفى الفكر المبدعون فى كل مجالات الفكر .
وفى أمس الحاجة إلى تلاميذ متفوقين لجمال عبد الهادى وأحمد شلبى والسرجانى يؤرخون لنا صحيح التاريخ وينفضون عنه غبار الشبهات ويخرجوه لنا جليا ظاهرا نعرف به روعة ماضينا ونخطط به لعزة مستقبلنا
إننا نبحث بين الشباب عن عقول مبدعة فى إعداد الأعمال الفنية التى تنموا بعقول الشباب وترتقى بالمجتمع فى وسط هذا الغثاء من مرضى الفكر ، نحتاج لمثل هذا الشاب بلال فضل ومن يفكر بمثل عقله يخرجون لنا ما نعلم الناس من خلاله من أعمال الفن الراقى لا الهابط ، النافع لا الضار يوجه الناس إلى الكتاب ويدعوهم إلى القراءة فى أكثر مقالاته وكتاباته .
نبحث عن من يرسمون البسمة على شفاه الناس بكتاباتهم الساخرة الهادفة مثل جلال أمين ، لا زالت أمتنا تبحث عن عقول منفتحة مبدعة قوية الحجة فى القول والرد مثل عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان ،، نشتاق ونحتاج لتلاميذ مبدعون مثل هويدى والخضيرى وبشارة ورفيق حبيب وجورج اسحاق وابراهيم عيسى وغيرهم ممن ملئوا الدنيا بقوة كلمتهم وصمودهم ياشباب إن هؤلاء رصيد عظيم يدخر لنصرة مصر ، وواجبنا أن لا ينفد ويكون من بعده أضعاف وأضعاف ،
نحتاج أن نقرأ ونسمع لكلمات رائعة تهز النفس وتوقظ الهمم وتطرب السامع من شعراء جدد يخلفون أحمد شوقى وحافظ إبراهيم والبارودى وجويدة ،، نحتاج لمثل العقاد ومصطفى محمود وعبد الوهاب مطاوع ومحمود درويش وغيرهم الكثير ، لا أدرى لم خلت منهم الساحات وفضت من أمثالهم الديار؟! فانهار الشعر والأدب وصار ما نسمع اليوم ونرى من اسفاف أدبى وفنى لا علاقة له بالذوق والطرب .
ياشباب أين أبناء زغلول النجار وعائض القرنى والسويدان ومحمد حسان وصلاح سلطان وعبد الله الخطيب ومن على دربهم يسير .
تكثر النداءات حتى لا يتسع المقام ولا المقال فانتفضوا ياشباب إننا مستقبل العرب والأمة ، وشعلة النور التى لن يبدد ظلام العرب غيرها ، وفى نفس الوقت نحن الهدف الأعلى عند الشعوب المسلمة وعند أعدائها فالعدو أكبر أماله أن يفسد الشباب ويبدد قدراتهم وأعظم أمال أمتنا تنصب على عاتقنا .
تعالوا ياشباب نقرأ ونتعلم ويبحث كل منا فى مجال من المجالات التى يجد فيها نفسه وقدراته يقرأ فيها ويتعلم من أساتذتها ويتابع مفكروها ومعلموها حتى يأتى اليوم الذى يكون هو المعلم والمبدع والمفكر ، هيا نبنى مستقبل الأمة بالعلم والاطلاع ونشر الثقافة بين أقراننا نهدى من حولنا الكتب ، ونوزع ما أحسنا قراءته على من لا يملك كتبا ، حتى نشيع بيننا روح العلم فننهض ونرتقى ، فتابعوا وتواصلوا مع أساتذة الفكر وعلماء العصر وتيقنوا أنهم لن يدخروا جهدا فى مساعدتكم ولن يعلنوا الحرب عليكم بل ستسعد قلوبهم وتبتهج نفوسهم حين يرون لهم نسلا يمتد ، يحيى ثقافة أمتهم ويعلم أبناء وطنهم ، وعندها ستبدأ مرحلة الخلاص لتلك الأمة التى علمت الدنيا كلها .

الجمعة، 31 ديسمبر 2010

حقيقة الافتقار إلى الله


                                                                       

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..



فإن الوصول إلى الله، وقضاء لحظات العمر، وساعاته في طاعته، والجهاد في سبيله أغلى همة، شمر لها الصالحون السابقون، ومن سار على دربهم، وأبواب الوصول إلى الله كثيرة متعددة، وأعظمها شأنًا باب الفقر، والذل والانكسار على عتبات ربك سبحانه..


يقول ابن القيم رحمه الله: "بحثت عن باب أدخل منه إلى الله، فطرقت باب الصلاة فإذا عليه كثير، وطرقت باب الصيام فإذا عليه كثير، فطرقت باب الذل والافتقار فإذا هو فارغ لا يعرفه سوى القليل من عباد الله".


فاعلم أخي أنه ليس أعظم من أن تلبس ثوب الافتقار إلى ربك، فتروح إليه عابدًا خاضعًا منكسرًا معترفًا بضعفك مهما بلغت قوتك، وبعجزك مهما بلغت قدرتك، وبفقرك مهما بلغت ثروتك، وذلك مهما بلغت عزتك.


ولقد قسم علماؤنا الفقر إلى الله على نوعين "فقر اضطراري" لا خروج عنه لمسلم وكافر، أو بر وفاجر، أو صغير وكبير، أو عظيم وحقير فكل في ذلك سواء؛ وذلك لأن الله هو المالك للكون المدبر لأموره الرازق لأهله ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) (العنكبوت)..﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ﴾ (الرعد: من الآية 16).


وثانيًا "فقر اختياري"، وذلك ما نحن بصدده، وهذا النوع من الافتقار والانكسار لله لا يعلنه سوى المخلصين من عباده والصالحين من خلقه؛ لأنهم عرفوا قدرة ربهم، وعظمة خالقهم، وعرفوا كذلك ضعف أنفسهم، وقلة حيلتهم فهتفت ألسنتهم: (لا حول ولا قوة إلا بالله .


يقول ابن القيم رحمه الله: "من عرف ربه بالغنى المطلق عرف نفسه بالفقر المطلق، ومن عرف ربه بالقدرة التامة عرف نفسه بالعجز التام، ومن عرف ربه بالعز التام عرف نفسه بالمسكنة التامة، ومن عرف ربه بالعلم التام والحكمة عرف نفسه بالجهل"، وهذا النوع من الانكسار لله يرفع الله به من سلكه، فإذا اعترف العبد لربه بعجزه أمده ربه من قوته، وإذا اعترف لربه بقوته أغناه من فضله.


ووجب على من أراد أن يسلك ذلك الطريق أن ينظر إلى نفسه بعين الحقيقة؛ فالله سبحانه أخرج العبد من بطن أمه لا يعلم، ولا يقدر، ولا يملك شيئًا، كان في مهده أفقر ما يكون لمن يضعه ويرفعه، ويسد جوعه، ويروي عطشه، ويرسم البسمة على شفاه، فكان الفقر له صفة لازمة، ولكن لما اشتد عوده وقوي ساعده، وأسبغ الله عليه نعمه، وأفاض عليه من رحمته، ومتعه بالسمع، والبصر، والقوة ورأى نفسه اخترق مجال الهواء، وغاص في أعماق الماء، وشيد القصور، ورفع البناء نسي ما كان عليه من فقر، وكأنه لم يكن هو ذاك الطفل الفقير، وكأنه ولد مقتدرًا، وجعل لربه في ملكه شريكًا وصدق الله ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) (العلق).


ولقد كان حبيبك صلى الله عليه وسلم أصدق مثلاً، وأجلَّ صورةً في الافتقار والخضوع لربه سبحانه، وكفانا من كلامه دليلاً على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "والله إني لا أعطي أحدًا ولا أمنع أحدًا، وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت"، فهو صلى عليه وسلم متصرف في ملك سيده لا ملكه هو، وممتحن في حق ربه لاحقه هو ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) (يونس).


ولقد كان رسل الله، وأغنياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغنياء التابعين لا يرون لأنفسهم على أحد فضلاً فطابت أنفسهم، واستحقهم عظيم الدرجات، ولله در سيدي ابن القيم رحمه الله حين قال: "من عوفي من رؤية الملك لنفسه لم يتلوث باطنه، ومن لم يعاف من ذلك ادعت نفسه الملك لها فإن أُعطي رضي وإن مُنع سخط يصبح مهمومًا ويمسي كذلك، فالأول استغنى بمولاه المالك الحق، والثاني يرى استغناءه بما في يده، فالفقر بين عينه قائم، والهم بين يده أنى أصبح أو أمسى".


كيفية الوصول لذلك؟
بقي لنا أن تعرف كيفية الوصول للافتقار والانكسار على باب مولانا سبحانه، ويكون ذلك في أمور عدة أولها: أن تتفكر في قدرة ربك في كل شيء في السماء والأرض وفي أنفسكم؛ حتى تتعرف على قدرة ربك وضعف نفسك في ذلك الملكوت الرباني البديع.


ثانيًا: أن تنظر في حال أهل البلاء في المال، والصحة، والمسكن، والولد، وغيرهم فذلك كفيل أن يرجع القلب لسيده معترفًا بعظيم فضله عليه وتقصيره في حقه.


ثالثًا: جالس الفقراء والمساكين، وكن بهم رءوفًا فذلك يرقق القلب، ويجعله مرابطًا على عتبات مولاه.


رابعًا: أكثر الدعاء لربك بخضوع قلبك له، وإقباله عليه، ولا تنس دعاء حبيبك صلى الله عليه وسلم "اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين".
أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم..

الخميس، 30 ديسمبر 2010

أسأل الله أن تكون بداية موفقة وأن تؤت ثمارها بعظيم فضله سبحانه

تلك هى بداية رغبت فى السعى فيها ما بين مشجع لى ومحبط ولكنى احتكمت إلى تاريخنا العربى فوجدت أن النجاح سهل بالصبر والاجتهاد والتعلم أسأل الله أن يوفقنى وأن يجعلى حلمى حقيقة على أرض الدنيا ويجزينى عنه الثواب فى الأخرة